الحركات الاستقلالية بالجزائر وتونس وليبيا
تقديم إشكالي
بعد تمكن فرنسا من القضاء على المقاومة بكل من الجزائر وتونس
نهاية القرن 19م وسيطرة إيطاليا على ليبيا مطلع القرن 20م ونتيجة تزايد حدة
استغلالهما الاستعماري لهذه البلدان، ظهرت فيها حركات وطنية قادت كفاح شعوب
المنطقة المغاربية من أجل الحرية والاستقلال.
فما هي العوامل المساهمة في تطور الحركة الوطنية بكل من الجزائر
وتونس وليبيا؟ وما هي خصائص الحركة الوطنية في البلدان الثلاثة؟ وما هي ظروف
ومظاهر تباين تطور الحركة الوطنية بالبلدان الثلاثة إلى غاية حصولها على
الاستقلال؟
1-
العوامل المشتركة لتطور الحركة الوطنية بالجزائر وتونس وليبيا
أ-
عوامل داخلية
v الاستغلال الاستعماري المكثف
عانت شعوب المنطقة المغاربية من الاستغلال الاستعماري سواء
الإيطالي بليبيا أو الفرنسي بالجزائر وتونس والذي كانت له انعكاسات خطيرة أبرزها
تدهور وضعية الفلاحين المعيشية وسيطرة المعمرين الأجانب على أجود الأراضي
الفلاحية، وتراجع الزراعة المعيشية وانهيار الحرف التقليدية وتحول معظم الفلاحين
والحرفيين إلى مجرد عمال مأجورين في حقول المعمرين ومعاملهم ومعاناة الأهالي من
ثقل الضرائب بمختلف أنواعها.
v تزايد الوعي السياسي بالمنطقة المغاربية بين الحربين
ساهمت العديد من العوامل في تزايد الوعي السياسي بالمنطقة
المغاربية وخاصة في مرحلة ما بين الحربين منها نشأة الأحزاب السياسية والنقابات
الوطنية على يد مجموعة من المثقفين أمثال عبد العزيز الثعالبي بتونس والأمير خالد
بالجزائر وعملت هذه الأحزاب على نشر الوعي الوطني وكشف سلبيات الاستعمار وفضح
ممارساته، زيادة على تزايد حدة الاستغلال الاستعماري ثم التنسيق بين الحركات
الوطنية المغاربية لمواجهة العدو الامبريالي المشترك.
ب-
عوامل خارجية
تمثلت في نتائج مؤتمر الصلح بباريس سنة 1919 التي خيبت آمال
البلدان المحتلة في حصولها على الاستقلال وتعزيز النظام الفاشي بليبيا متبعا
أساليب همجية ثم تأثر الحركات الوطنية المغاربية بحركات التحرر في المشرق العربي
وفي آسيا.
2-
خصائص الحركات الوطنية بكل من الجزائر وتونس وليبيا
أ-
خصائص الحركات الوطنية بالبلدان الثلاثة.
تباينت مبادئ الحركات الوطنية بين البلدان المغاربية الثلاثة
وداخل البلد الواحد:
¯
في الجزائر:ظهرت تيارات متمسكة
بالثقافة الإسلامية وناهضت سياسة الإدماج الفرنسية مثل نجمة شمال إفريقيا سنة 1927
بزعامة مصالي الحاج التي طالب باستقلال البلدان المغاربية الثلاثة، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931
بقيادة عبد الحميد بين باديس. وفي المقابل ظهر تيار جزائري دافع عن سياسة الإدماج الفرنسية تزعمه فرحات عباس.
¯
في تونس: أسس الحبيب بورقيبة الحزب
الدستوري الجديد الذي ركز على ثلاثة مبادئ وهي الوطنية والعلمانية والليبرالية
لكنه لم يطالب في بداية نشاطه السياسي باستقلال البلاد ولم يناهض الاستعمار
الفرنسي صراحة.
¯
في ليبيا: استمرت المقاومة المسلحة حتى غاية
1931 حيث اعدم زعيمها عمر المختار شنقا.
ب-
تطور الحركة الوطنية بالجزائر وتونس وليبيا من خلال برامجها السياسية.
تميزت مطالب الوطنيين في كل من الجزائر وتونس في فترة ما بين
الحربين العالميتين بطابعها الإصلاحي:
¯ في تونس:
طالب الحزب الليبرالي الدستوري الذي تأسس سنة 1920 بزعامة عبد
العزيز الثعالبي بالحرية والمساواة بين التونسيين
والمعمرين الفرنسيين، وإلزامية التعليم والفصل بين السلطات، ثم تطورت مطالب الحركة
التونسية مع الحزب الدستوري الجديد الذي طالب سنة 1934 بتأسيس برلمان تونسي وحكومة
مسؤولة أمامه وإيقاف الاستعمار الفلاحي الرسمي وإلغاء الثلث الاستعماري.
¯ في الجزائر:
طالبت جمعية نجم شمال
إفريقيا سنة 1933 بإلغاء جميع القوانين الاستثنائية في مقدمتها قانون الأهالي،
وحرية الصحافة والتجمع وتأسيس الأحزاب والنقابات والاستقلال الكامل للجزائر وسحب
الجيش الفرنسي...
لكن خيبة أمل الجزائريين في حكومة الجبهة الشعبية بفرنسا جعلت
مطالب المؤتمر الجزائري سنة 1937 تكتفي بالمطالبة بإلغاء الإدارة العسكرية بالجنوب
وإلغاء قانون الأهالي وتطهير الإدارة من الفساد.
¯ أما في ليبيا فقد اختلفت الحركة الوطنية بها عن تونس والجزائر
حيث:
ظهرت الحركة السنوسية التي تأسست في القرن 19 من طرف الزاوية
السنوسية قاومت العثمانيين ثم الاحتلال الإيطالي إلى غاية الحرب العالمية الأولى،
واستمرت المقاومة المسلحة إلى غاية 1931، ثم ظهر الحزب الوطني الذي تأسس سنة 1945
و المجلس الوطني لتحرير ليبيا الذي تأسس سنة 1947 بالقاهرة اللذان طالبا
بالاستقلال التام ليبيا ووحدة ترابها ومعارضة أي وجود أجنبي فوق أراضي ليبيا.
3-
عوامل وظروف استقلال ليبيا والجزائر وتونس.
أ-
دور الحرب العالمية الثانية في المطالبة بالاستقلال.
ساعدت ظرفية الحرب العالمية الثانية الحركات الوطنية المغاربية
في التحول من المطالب الإصلاحية إلى المطالبة بالاستقلال:
¯
ففي تونس ظهرت أحزاب ونقابات عززت العمل
الوطني الجاد مثل الحزب الشيوعي التونسي ونقابة الاتحاد العام التونسي للعمل
بزعامة فرحات حشاد الذي اغتاله مستوطنون فرنسيون سنة 1952.
¯
بالجزائر: تخلى تيار الإدماج مع فرنسا عن
مطالبه بتجنيس الجزائريين وأصبح يؤمن بحق الجزائر في الاستقلال.
¯
أما ليبيا فقد شهدت بعض أطوار
الحرب العالمية الثانية حيث تحالف السنوسيون مع الحلفاء ضد دول المحور ليتخلصوا من
الاحتلال الإيطالي.
إلى جانب ظرفية الحرب العالمية الثانية استفادت الحركة الوطنية
في البلدان المغاربية من صدور الميثاق الأطلسي سنة 1941 الذي نص على حق الشعوب في
تقرير مصيرها فطالبت بالاستقلال بدل الإصلاحات.
ب-
اختيار الحركات الوطنية بالدول الثلاث العمل المسلح لتصفية الاستعمار
والحصول على الاستقلال.
عمدت الحركات التحررية بكل من الجزائر وتونس وليبيا إلى الكفاح المسلح
من أجل تحقيق الاستقلال:
¯
بتونس:
بعد فشل سياسة الحوار
مع فرنسا دخلت الحركة الوطنية التونسية مرحلة النضال المسلح (1952 -1956) وبعد
إخفاقات فرنسا في حروبها ضد المقاومة في الهند الصينية خاصة هزيمتها في ديان بيان
فو سنة 1954 بدأت مفاوضات سرية مع الحبيب بورقيبة تمخض عنها إعلان الاستقلال
الذاتي لتونس سنة 1955، لكن جيش التحرير التونسي رفض هذه الصيغة وأصر على مواصلة
الكفاح المسلح حتى الاستقلال التام الشيء الذي تم فعلا في السنة الموالية 1956م.
تحميل تتمة الدرس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق