التحولات الاجتماعية بأوربا وبروز الفكر
الاشتراكي
تقديم إشكالي
ساهمت الثورة الصناعية التي عرفتها أوربا خلال القرن 19م
في ظهور تحولات اجتماعية بها إضافة إلى بروز الفكر الاشتراكي.
فما هي مظاهر التحولات الاجتماعية التي عرفتها أوربا
خلال القرن 19م وبداية القرن 20م؟ وما هي التيارات الفكرية التي رافقت هذه
التحولات؟ وما هي العوامل المفسرة لهذه التحولات؟
1-
التطور الديمغرافي
بأوربا خلال القرن 19م وبداية القرن 20م
أ- التطور الديمغرافي
بأوربا
عرف النمو الديمغرافي خلال القرن 19م ومطلع القرن 20م
بأوربا تطورا تعددت مظاهره ومن بينها: استقرار نسبة الولادات وانخفاض نسبة الوفيات
وانخفاضهما معا مع بداية القرن 20م، وبذلك تكون الدول الأوربية انتقلت إلى مرحلة
النمو الديمغرافي العصري. إضافة إلى ارتفاع عدد سكان أوربا بحيث انتقل من 200
مليون نسمة سنة 1800م إلى 410 مليون نسمة
سنة 1900، مما نتج عنه ارتفاع نسبة الساكنة الأوربية من مجموع سكان العالم حيث
انتقلت من 24% إلى 38% ما بين سنتي 1800 و1900م.
ب- العوامل المفسرة
للتطور الديمغرافي بأوربا خلال القرن 19م وبداية القرن 20م
يرجع ارتفاع النمو الديمغرافي الذي شهدته أوربا خلال
القرن 19م ومستهل القرن 20م إلى عوامل
متعددة منها: تحسن الظروف الصحية بفعل تطور وتقدم على الطب (التلقيح، الجراحة)
والقضاء على المجاعات بفعل زيادة الإنتاج
الفلاحي وإحداث مناصب الشغل وارتفاع الخصوبة بفعل الزواج المبكر.
2-
مظاهر التحول الحضري
بأوربا خلال القرن 19م ومطلع القرن 20م وتفسيره
أ- مظاهر التطور
الحضري بأوربا
تتجلى أبرز مظاهر التحول الحضري الذي عرفته أوربا خلال
القرن 19م وبداية القرن 20م في ظهور المدن والتي أصبحت مركز استقطاب لمختلف الفئات
الاجتماعية، كما انقسمت هذه المدينة الأوربية إلى نوعين:
-
مدينة الأنوار: تتميز بأناقتها
ومغرياتها ووسائلها الترفيهية وسحرها الفني والثقافي وأضحت تقوم بوظائف متعددة
وظيفة صناعية وتجارية وبنكية.
-
المدينة البئيسة: تمتاز ببيوت عتيقة ووسخة
وصغيرة وانعدام قنوات صرف المياه، وتسمم الهواء بفعل دخان المداخن والأزبال
والتلوث بفعل كثرة المعامل وساكنتها فقيرة.
ب- العوامل المفسرة
للتطور الحضري بأوربا
يرجع التطور الحضري الذي عرفته أوربا إلى الهجرة القروية
بحثا عن ظروف عيش أحسن، وتزايد التصنيع بالمدن الأوربية إضافة إلى الزيادة
الطبيعية بحيث ارتفعت الولادات وانخفضت الوفيات بسبب تحسن الظروف الصحية
والمعيشية.
3-
بنية المجتمعات الأوربية
في القرن 19م ومطلع القرن 20م
أ- فئة الفلاحين
والعمال بعد الثورة الصناعية
عانى الفلاح الأوربي خلال القرن 19م ومستهل القرن 20م من
تدني وضعه الاجتماعي ويتمثل هذا التدني في إثقال كاهله بالضرائب المباشرة وغير
المباشرة إضافة إلى سوء التغذية.
أما العامل فكانت وضعيته أكثر هشاشة بحيث كان يسكن في
منازل مظلمة وبئيسة منفتحة مباشرة على الأزقة والساحات زيادة على استعمالهم لأدوات
العمل في المنزل وكانت أجورهم زهيدة.
ب- الوضعية
الاجتماعية والأطفال
عاشت المرأة الاوربية خلال القرن 19م ومطلع القرن 20م
وضعية صعبة إذ كانت تعاني من الأمية وتعمل في المناجم والمعامل لمدة طويلة تصل إلى
12 ساعة في اليوم وتقوم بأعمال شاقة كجر العربات وبأجور زهيدة. كما أن الأطفال
كانت وضعيتهم هشة ومتدهور حيث كان يتم استغلالهم في المناجم والمعامل بأجور رخيصة.
فانعكس ذلك على الطبقة العاملة إذ كان أصحاب المعامل والمناجم يفضلون تشغيل النساء
والأطفال بدل الرجال.
ج-الطبقة البورجوازية
باعتبارها محركا لنمو الرأسمالية الأوربية خلال القرن 19م
تعتبر الطبقة البورجوازية محركا للنظام الرأسمالي خلال
القرن 19م، وقد ارتبط ظهور هذه الطبقة بنمو النظام الرأسمالي والرأسمال الصناعي
والتجاري والمالي. وانتشرت قيم البورجوازية في أوربا والمتمثلة في النظام والعمل
والادخار، وكانت هذه الطبقة تتمتع بظروف عيش جيدة.
4-
بروز الفكر الاشتراكي
والحركة النقابية ونتائجها خلال القرن 19م
أ- بروز الفكر
الاشتراكي وأهم مبادئه
ساهمت انعكاسات الثورة الصناعية (بؤس العمال وقساوة
ظروفهم) والأزمات الدورية التي يعرفها الاقتصاد الرأسمالي وما ينتج عنها من توقف
عجلة الاقتصاد واستفحال البطالة وتبذير الثروة، كلها عوامل ساهمت في ظهور الفكر
الاشتراكي كنقيض للفكر الرأسمالي، وصنف الفكر الاشتراكي إلى اشتراكية إصلاحية وعلمية.
-
الاشتراكية الإصلاحية: تضم الاشتراكية
الطوباوية أو المثالية ومن أبرز رواد هذا التيار سان سيمون وانتقد هذا
التيار المِلكية الفردية التي تسمح بالاستغلال كما اعتبر أن الدولة هي القادرة على
الحد من الرأسمالية المتوحشة بالسيطرة على وسائل الإنتاج، إضافة إلى اعتباره أن
النخبة (الفلاسفة والمفكرون والباحثون ...) هي القادرة على تغيير المجتمع. كما تضم
الاشتراكية الإصلاحية تيارا آخرا سمي بالاشتراكية الفوضوية تزعمه برودون
ويستعجل التغيير الاجتماعي لصالح الطبقة العاملة دون أن يقدم حلولا عملية لتنظيم الإنتاج
والحياة العامة وطالب رواد هذا التيار بالخبز والعمل للجميع والاستقلال والعدل.
- الاشتراكية العلمية: تيار فكري تزعمه كل من كارل ماركس وفرديريك انجلز، واعتبر هذا التيار على أن تاريخ المجتمعات البشرية ما هو إلا صراع بين طبقتين: طبقة مضطهَدة وطبقة مضطهِدة وينتهي بانتصار الطبقة المضطهَدة، كما اتنقد ماركس النظام الرأسمالي الذي استفحل فيه الصراع الطبقي بين الطبقة البورجوازية وطبقة البروليتارية ودعا إلى ثورة البروليتارية ضد النظام الرأسمالي وإقامة مجتمع اشتراكي.
ب- ظهور الحركة العمالية ونشوء النقابات خلال القرن 19م
ظهرت الطبقة العمالية نتيجة للتحولات الاقتصادية التي
عرفها العالم الرأسمالي خلال القرن التاسع عشر، وعرفت هذه الفئة تزايدا في
أعدادها، وعانت من الاستغلال في ظل النظام الرأسمالي وتمظهر هذا الاستغلال في ظروف
العمل القاسية وسوء المعاملة (اعتبار العامل سلعة) وتدني الأجور وساعات العمل
الطويلة ( ما بين 15 و16 ساعة في اليوم). الشيء الذي أدى إلى تكتل الطبقة العمالية
وتكوين اتحادات عمالية وتنظيمات نقابية للدفاع عن حقوقها ومصالحها فتزايد عدد
المنخرطين في هذه الاتحادات والتنظيمات، وتمكنت من تحقيق العديد من المكتسبات بعد
تحالفها مع الأحزاب الاشتراكية ومن هذه المكاسب إلغاء عقوبة الإضراب والحد من
تشغيل الأطفال وتحديد ساعات العمل الاسبوعية والتأمين ضد المرض والبطالة والإقرار
بحق الانتماء النقابي والراحة الأسبوعية....
خاتمة
ساهمت التحولات التي عرفها المجتمع الأوربي خلال القرن
19م وبداية القرن 20م في تدهور وضعية الطبقة العمالية واستغلالها من قبل الطبقة
البورجوازية مما أدى إلى ظهور فكر اشتراكي تبنى الدفاع عن حقوق الطبقة العمالية
والتي تنظمت في اتحادات عمالية حقت بفضلها مجموعة من المكاسب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق